التاسع والعشرون من يناير 2011، تدوينة أخرى طويلة فاعذروني!
يوم عرفت فيه شيئا جديدا، ما زال هناك الكثير الذي لم أكن قد تذوقته في الحياة حتى هذا اليوم، فتذوقت وعرفت الكثير جدا فيه، آية قصيرة من كتاب الله وجدتها لا تكاد تغادر تفكيري، قرأتها آلاف المرات، غير أنني لم أتذوق معناها ومغزاها إلا اليوم:
"الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف"
استيقظت باكرًا كعادتي في هذا اليوم، ارتديت ملابسي، كانت هناك أخبار لا أذكر مصدرها تشير إلى اقتحام قسم الشرطة في الحي السكني الذي يتواجد فيه منزل أبي، وهو قسم اشتهر ككثير من أقسام الجمهورية بما يمكن أن يتخيله أي أحد من فساد، الله أعلم بحقيقته!
أجريت اتصالا بالعمل، فردَّ عليَّ صديقي أشرف وأخبرني أنه في انتظاري لأتسلم منه مهمة إدارة المصنع، وأن هناك اجتماع مع نائب رئيس مجلس إدارة الشركة سيتم عقده لمناقشة الموقف الحالي وكيفية التعامل معه، سيحضره كل المسئولين الموجودين، وعليّ أن ألحق به!
في الطريق، شاهدت شوارع مغلقة، لماذا لم أكن أعلم، لفت نظري بشدة أن من يغلقون الشوارع هم أفراد عاديون وليسوا جهات أمنية، وعندما وصلت للشارع الرئيسي شاهدت عدة سيارات محملة بأجهزة كمبيوتر وأجهزة أخرى عرفت أنه تمت سرقتها من بعض المصالح الحكومية المجاورة.
أحد المحلات الكبرى في المنطقة التي كانت تضع لافتات تأييد ل "مبارك" مررت عليها، فوجدت أصحابها جالسون أمامها لحمايتها واللافتة قد تهشمت تمامًا!، سلَّمت على أحدهم ممن أعرفه وعرفت منه أنهم لم يناموا منذ الأمس خوفا من اعتداء البلطجية الذين خرجوا من السجون ومحابس الأقسام التي تم اقتحامها، دعوت لهم بالتثبيت وانصرفت.
في طريقي مررت بجوار أحد أقسام الشرطة، كان هناك الكثير من البشر في الشارع، وعلى سطح القسم أفراد بزي مدني مدججين بالأسلحة، عددهم لم يكن كبيرا، وأمام القسم كمية كبيرة من سيارات الأمن المحترقة، بين حين وآخر تستمع إلى إطلاق للنيران.
وصلت للعمل بطريقة ما، وأديت عملي غير الاعتيادي الذي كُلّفت به، كان مطلوبًا مني تحصين جميع أبواب ومنافذ الشركة بوضع كميات كبيرة من البلاط والسيراميك خلف الأبواب ولحام البوابات الحديدية وتسليح النوافذ بالحديد وغلقها تماما!
عندما أنهيت العمل وبدأت رحلة العودة للمنزل، مررت من أمام نفس قسم الشرطة، فوجدته قد سقط ولا يوجد فيه أحد، الحرائق كانت قد التهمت كل شيء فيه تقريبا، بعض من أثاث القسم كان مرميًا بانتظار العصابات التي ستحمله، مبانٍ حكومية أخرى مجاورة قد تحول لونها إلى الأسود من أثر الحريق، لم أكن أعرف هل أفرح أم أحزن، في تلك المباني ذاق الشعب صنوف العذاب، وعندما سقطت فقدنا الأمن!
وصلت للمنزل أخيرا، تابعت بعض القنوات الإخبارية، يتحدثون عن عمليات سطوٍ واسعة على المنازل والتجمعات السكنية بخلاف المحلات الكبيرة والصغيرة، لم أستطع تناول طعام الغداء، فقد كانت أعصابي متوترة بشدة، شعور جديد تمامًا أن تعيش بدون أمن!
بعد المغرب، أذّنت المساجد في الناس تدعوهم للنزول إلى الشوارع لتكوين لجان شعبية لحماية الأهالي من البلطجية الذين انتشروا فجأة على حد ما سمعنا، نزلت وأنا أبحث عن أي شيء أحمله في يدي، ساعتها فكرت في الاتصال بأحد معارفي للحصول على سلاح!
للمتابعة
من هنا