حكاية أمّة2
أحيانا تتملّكني الهواجس وتنتابني وساوس
لكنّها في أصلها واجبة و ضرورية ..
هذه الأمّة الضاربة في التاريخ والتي عانى الأوّلون في ارساء
قواعدها ونحت بنيانها وبذلوا في سبيل ذلك كل أنواع الفداء.
جاء وقت أصابها طاعون الاستعمارفجاس في الديار
وعاث في الأرض الفساد،،،
وثارت ثائرة رجال ذلك الزمان وأعملوا الجهادعلى قدر استطاعتهم
أحثوا شروخا في جسم الاستعمارو أحبطوا فيه الكثير
لكنّهم غُلبوا على أمرهم وكان ما كان ،،،
اندحرت جيوشالاستعمار بعد طول مكابدة لكنّه جزّأ الأمّة حتّى قزّمها وأضعفها ورسم حدودا كانت احيانا أقدس من العقائد ..
وجاء عندكل حدّ و بثّ الفتن بين العشائر و الأهل فتعادوا عداءسجّله التاريخ وصمات عار في صفاحاته الأولى ..
خرج الاستعمار ، وترك في الأمة أوصياء اجتهد
في تربيتهم بين أحضانه وفصّله في قوالب
الولاء والطاعة العمياء..
فحكموا البلاد والعباد قسر و قهرا ونفّذوا أجندات
كان الاستعمار نفسه عاجزا على تمريرها ...
ولم يغفل الاستعمار على مدّ هؤلاءبلصاق فائق القوّة
جعلهم يتّحدوا مع الكراسي اتحادا لا انفصام له !
تحصيلا أصبح عندنا تشكيلة من الحكام متنوّعة وبطعمات مختلفة
لكنّها تتّفق في نفس الهوى ...
جماعة استناخوا وشاخوا حتى وصلوا سنّ اليأس السياسي
و ربما داخل بعضهم العُقم ودخلوا مرحلة التخريف ..
جماعة أخرى حاكوا زمان ملوك الطوائف و تستّروا برَغد
عيش منظوريهم فضعُف الطالب و المطلوب ...
اما الجماعة الباقية فهم ورثة السّلف انخرطوا في السياسة
قبل أن يدركوا سنّ الفطام ...
فصارت أحلامهم و هواياتهم أكبر تبجيلا و أعلى تفضيلا من
هموم شعب بأكمله !
و لكن بما أن كثيرا من الرياح تجري بما لا تشتهي السّفن ..
فقد دوّت صرخات المظلومين عاليا و برزت
من بين ثنايا الصمت المطبق و قبضة الحديد المحكمة
شعار ارتفع الى السماء عاليا ، شعار أدخل الرهبة في
الجلادين و الطغاة و الظالمين و أقضّ مصاجعهم ،
شعار على بساطة تركيبته اللغوية إلاّ أنه كان كافيا
ليأذن بحلول التغيير و رفض الأمر الواقع ،،،
الشعب يريد إسقاط النّظام !
و بدأ تصدّع عروش الأنظمة الفاسدة و المستبدّة
و التي جثمت على صدور العباد و أفسدت في البلاد ..
بدأ سقوط الجنرال بن علي و هرب الى السعوديّة
و معه عائلته الفاسدة و ان* عقد عائلته و أصهاره الذين
عاثوا في البلاد فسادا و طغيانا ...
من بعده انهار عرش حاكم مصر المحروسة الذي شاخ و هرم
و عمّر في الكرسي , أصبح يخطّط لتوريث إبنه ليعطيه ملكَ مصر
فخيّب الشعب الأبيّ مسعاه و سفّه أحلامه و طرده شرّ طردة
يسجّلها التاريخ بالبنط العريض في أولى صفحاته ،،
يليه في ذلك مهووس ليبيا و معقّدها ...
الذي طمس كل معالم ليبيا الحبيبة و جعلها محلاّ لتمرير تجاربه
الخائبة في الحكم و ممارسة عقده في السياسة و الحكم ،
جهّل أهلها و أفقرهم و طغى على العباد و الدين ..
فقصم الله ظهره كما الباقين و أصبح وحيدا ، شريدا و طريدا ثم كانت نهايته و موته على الحال الذي رأينا من البشاعة
و الذلّ و المهانة ..
و الدّور آت على بقيّة القائمة و في بدايتها علي صالح حاكم اليمن
الذي فقد كلّ إحساس ،، فبرغم لفظ شعبه له و المظاهرات الشعبية التي تجوب الشوارع كلّ يوم و تعرّضه لمحاولة القتل إلاّ أنّه
ما زال يتشبّث بالكرسي ،،
إلاّ أن الشعب لن يعتقه حتى يدحره !
و في نفس الخانة ينحشر وريث البعث و جزّار الشعب ، بشار الأسد الذي أصمّ أذنيه على صرخات شعبه الأبيّ
و الذي ما عاد يحتمل الظلم و نادى لشهور أنه لن يرضى دون
أن يتنحّى هذا الحاكم ..
و أن يزول معه حكم المخابرات و الحديد و النّار ،،
و أرى أن نصر الشام الحبيبة قريب مهما قتّل هذا المتفرعن
و مهما شرّد و سجن و عذّب ...
ونحن إذ نبارك هذه الصّحوة و هذه الثورات إلاّ أنّنا نرى
أن السيناريوهات التي يحيكها الغرب للأمّة من جديد
هي مدعاة الى الخوف !
فالدول الكبرى هبّت الى المنطقة و وجّهت كل اهتمامتها و آلياتها
و مخابراتها و شركاتها الى مناطق التوتّر و الدول التي تحرّرت ..
و لا أظنّ أن هذا محبّة في الشعوب و لا نُصرة للحق و أصحابه .
إنّما هو غزو جديد و بماهيّة أكثر تخفّيا للإلتفاف على مكاسب الثورات و توجيه دفّة المسارات الى صالحها
اقتصاديا و سياسيا و إيديولوجيا .
و استقطاب القيادات الجديدة و من ورائها الثروات !
فهل سيعيد التاريخ نفسه ؟
أم ستنتبه الشعوب إلى هذه المخطّطات و تنقذ نفسها من مخالب
إستعمار جديد و تصنع لنفسها مكانتها في التاريخ و الجغرافيا ؟؟
بقلم منجي باكير