14 ديسمبر, 2011
خسان خوسين بنات مُعاوية
صارت الرؤية كأنها مستحيلة وبؤرة الإبصار معتمة، لكن من يملك أن يعترف بأنه لم يعد يرى؟ من يملك أن يتوقف لحظة عن الكلام ليسمع أو يفهم أو ليستدل ويسير في الاتجاه الصحيح؟ من هذا الذي لديه الصبر لينتظر حتى تكمل، من دون أن يندفع ليستنتج ما تنوي قوله، رغم أن استنتاجاته تشطح بعيدا، ويظل بكل طاقته يرد على ما لم يكن في البال؟ هناك مثل عند أهل العراق، يقولونه عندما يتراكم الخطأ في المنطق والقول والسياق والمفردات، يقولون إن هذا كلام مثل:«خسان، خوسين، بنات معاوية!»، أي أن المتكلم يقع في مجمل أخطاء أولها: نطق «الحسن والحسين»، ثانيا: أنهما ولدا «علي بن أبي طالب» وليسا «بنتي معاوية»، ولقد عانينا كثيرا من الغوص الجاهل في «المسألة الإسلامية»، حتى ألفناه فقلّت المعاناة، «تنّحنا»، كما نقول باللهجة المصرية، وأصبحنا نمرر الكلام بهشة يد، ونواصل حياتنا وفقا لاختياراتنا التي تمليها علينا عقيدتنا بفقه مذاهبها المتعددة، وبعلم أهل الذكر، ولا نتوقف لنتعجب من أن معظم الخائضين في أمور الإسلام، لا يستقيمون معه، للأسف، على أمر أو تكليف أو طاعة أو إلتزام، ولو جادلك أحدهم أو إحداهن، يكون الجدل مطابقا للنكتة المشهورة: «من قال إن الصلاة من دون وضوء لا تنفع؟ أنا صليت من غير وضوء ونفع!».
تسمع الصارخ، كأنه الغيور على سمعة الإسلام, يهتف نافيا: أهذا هو الإسلام؟ كلا! وتنظر فترى الصارخ بعيدا، بقدر استطاعته، عن مظهر ومخبر الإسلام العزيز، وهو، الذي يريد، أن يلقى في روعنا أنه، مقروص بالمرارة حزنا على «التشويه». وحين ينطلق ذلك المنطلق بكلام عن الإسلام يشبه منطق «خسان خوسين بنات معاوية»، لا تملك أن تصده بـ«هون عليك، كلامك كله عك»، لأنه حينئذ سوف تعلو عقيرته بما يصم الآذان:«لا كهنوت في الإسلام، لا إغلاق لباب الاجتهاد»، وتلوّح بما يُفهم من التلويح: «أينعم يا سيداتي سادتي.. لكن كذلك لا تخريف في الإسلام، والاجتهاد هو شأن من يعلم بحق الدراسة والبحث... و.. و..»، ولكن إذا كان هذا المنطلق بمنطق «أنا صليت من غير وضوء ونفع»، لا يسمع صوتك فهل يمكن أن يرى تلويحاتك؟
وبمناسبة فتح أحاديث مناهج التعليم يحق لنا أن نتساءل: هل نريد أن نعد المواطن المسلم، ليكون راضيا بعلمنة المجتمع في البلاد الإسلامية، تحت عنوان «المجتمع المدني»، المقصود به تنحية الإسلام تماماً عن القوانين المنظمة للمجتمع، باعتباره عمامة متحفية نبوسها ونضعها جوار الحائط؟ ألا يجب أن نسعى نحو جعل الأمور أكثر استقامة بحيث تصبح شريعة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، هي القائد لهذه الأمة، والحاضنة لتيارات التطور المعاصرة المنبثقة منها، أم أن نخضع لنداءات المطالبة بتدجين المواطن المسلم منذ الطفولة، ليتوافق مع ما يسميه الراطنون بـ«العصرية» و«الحداثة» و«العولمة»، من دون أن نحدد إلى أي «عصر» تنتمي تلك «العصرية»، المبتغاة والمنشودة، أهي إلى «عصر الإسلام» أم إلى «عصر الحقبة الأورو أمريصهيونية»، وعولمتها التي أصبحت تفصح عن نفسها بإملاء وقح متعجرف، يتباهى بإهانة الآخرين، وهو سائر نحو سحقهم بدماره الشامل؟ هل يجوز تدجين الطفل المسلم ليتوافق، فيما بعد، مع من أعلنوا بوضوح عداءهم للإسلام بالقول والفعل؟
ألا يجب أن نربي الوعي لدى الطفل المسلم، بأنه سوف ينشأ في مجتمع به تعداد جاهل بالعقيدة، وآخر معاد له جهارا تحت الإلحاد السافر، أو تحت غطاء مخاتل، لا يرى الصالح إلا في التبعية القردية للغرب ونبذ «فطرة» المقاومة، بدعوى أنها ليست غاية، بل وسيلة أثبتت فشلها. ولا يسألني أحد كيف أثبتت المقاومة فشلها، لأن هذا يدخل في منطق «خسان خوسين بنات معاوية»!
ألا يتحتم أن نربي الطفل بما يسلحه بمهارة المنطق السليم الصحي، وبقوة الخلفية الإيمانية القادرة على مناظرة الأفكار العلمانية المثبطة وفضحها ودحضها، بأسلوب غير إنشائي وغير متهافت؟ ألا يجب أن ندرج في مناهجنا الدراسة النقدية للأفكار العلمانية العولمية، ومهاجمتها من نقاط قوتها لا من نقاط ضعفها البدهية؟ ألا يمكن أن نستفيد من ميراث التربية التي أخرجت ابن سينا والبيروني، وابن خلدون، وجمال الدين الأفغاني، وسيد قطب، إلى آخر سلسلة العظماء في أمتنا من الشرق والغرب؟ والذي يمكن أن نضيفه حديثا هو: ترسيخ الوعي لدى طلاب العلم ، بأنهم يتحركون ويعيشون في عصر قوة التحديات العلمانية، وعليهم أن يتخطوها ليحققوا مسؤولية «المعاصرة» التي نراها حقنا وهي: تثبيت المشروع الحضاري الإسلامي، وتقديم إنجازاته الإنسانية لنسترد موقعنا النّدّي مع قوى العالم لنملك مصيرنا في السياسة الدولية، ونجلس، بعلمائنا، في مقعدنا الشاغر في الساحة العالمية، بوجه مؤمن أصيل وضيء، رحمة للعالمين.
مرسلة بواسطة صافي ناز كاظم: لساني حصاني في 01:16 ص
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة في Twitter
المشاركة في Facebook
3 التعليقات:
صافي نازكاظم