أنا لست متفائلاً

أخي الأستاذ محمد الجرايحي
أحسبك ستعدني ضد وصول الإخوان أو غيرهم إلي الحكم فللأسف أنا لست متفائلاً أيضا مثلك بوصولهم إلي الحكم إذا كانوا سيسلكون مسالك السياسيين الغربيين وأساليبهم من التحايل وشراء الشارع بأساليب رخيصة، والدعاية المضادة التي لا تخلو من تلفيق في بعض الأحيان وتكفير الطرف الآخر. أقول لك هذا وأنا فقط أستقي معلوماتي من قراءة الجرائد وتصريحات المتحدثين باسم الأحزاب سواء إسلامية أو ليبرالية. وأيضاً ما أقوله ينطبق علي بقية الأحزاب التي لم تقدم نفسها علي خلفية إسلامية. إن وصول الإسلاميون للحكم علي طريقة النهضة المجتمعية والاقتصادية التركية أو علي طريقة الخطاب السياسي الواعي للسيد راشد الغنوشي في تونس (لم نر الفعل بعد) لهو شئ يسعدني ياسيدي ليس كمسلم فقط ولكن كمصري يتمني أن يري بلده ناهضة وعظيمة قبل أجله. يا أخي أنا أحلم أن أري بلدي متفوقة اقتصادياً كما ماليزيا، ومسرعة في النمو كما تركيا ورشيدة كما راشد الغنوشي. يا أخي أنا لا أريد بلدي متسرعة ومعتوهة كما هو الخطاب الإعلامي للسيد عبد المنعم الشحات، ولا أريد بلدي عديمة الأولويات كما هو الخطاب الإعلامي لكثير من المتحدثين باسم الجماعات الإسلامية. أنا يا أخي أهتف معك إن أصررت للأسلاميين القادمين شريطة أن تكون أولوياتهم نهضة مصر من عثرتها التي طالت خمسون عاماً. إن شرع الله مبتغي كل مسلم لا يجادل فيه، لكن واحداً من أشد الأولين صرامة في شرع الله قد أبطل حداً من حدود الله أيام المجاعة التي ألمت بالمسلمين وهو الفاروق عمر رضي الله عنه. أنا ياسيدي لا أطالب الإسلاميين أن يبطلوا حدود الله (حفظ الله مصر من المجاعة) لكني أطالب في نفسي أن يكون لديهم ترتيباً واقعياً ومنطقياً لأولويات مصر الغالية. وهي عندي: الاقتصاد المنهك، الصحة المتردية للشعب المتهالك، التعليم الفقير المفقر، كرامة المصري، ويوجد المزيد. ليس عندي اعتراض واحد علي أن يقوم مستثمر يشعر بواجبه كمسلم بشراء كباريهات شارع الهرم ليحولها إلي مصانع يعمل فيها المصريين وتنتج منتج مصري لكن عندي ألف ألف اعتراض أن يشتريها مستثمر ليحولها إلي فروع محلاته التي تعرض كل ما هو صيني من إبرة الخياطة وحتي الأجهزة المنزلية فتروج وتزدهر المصانع الصينية وينتعش الاقتصاد الصيني بينما نحن نغرق وعيالنا في الفقر ولا يغني من هذا إلا المستثمر الذي ركب الموجة الجديدة بدافع من إخلاصه الشديد لحسابه في البنك (وقد يكون مخلصاً للفكرة بحق لكنه أغرقنا وأنعش الاقتصاد الصيني). يا أخي إن الترحييب بالإسلاميين القادمين عندي مرهون بإحسانهم الخطاب أولاً ثم وضوح رؤيتهم وترتيبها الجيد للأولويات ثم الصدق والمصداقية، لا نريد أن يخدعنا الإسلاميون كما كان يفعل الساسة في العهد البائد ولو فعلوا فما فائدة أن نكون إسلاميين!
أنا يا أخي قد أكون متشائماً موسوساً لكني لا أثق بخطاب السياسيين ولا دوافعهم إلا نادراً وذلك يعتمد علي الأفعال اللاحقة. والإسلاميون إذا ما انتقلوا إلي خانة السياسيين انطبق عليهم كل شروط وسوستي حتي نري صنيعهم.
لأن الخواتيم عندي أهم من الكلام المعسول في البدايات. تحياتي واعتذاري عن التطويل. تقبل تقديري واحترامي.
د. محمد زكريا الأسود

اقتباس :

وهي عندي: الاقتصاد المنهك، الصحة المتردية للشعب المتهالك، التعليم الفقير المفقر، كرامة المصري،

وهذا هو الثالوث المميت القاتل لأى شعب بالعالم
الفقر... المرض...الجهل
من يضمن لنا القضاء عليهم فهو من أولويات ترشيحنا له
لكن الجهل المقصود من وجهة نظرى جهل الدين والدنيا متوازيان متلازمان
مقال رائع وكلمات منطقية
سلمت انامك استاذى الكريم
وشكرا للدكتور زكريا الأسود