الشهيد كريم بنونه شهيد الثورة

تنتظر والدة الشهيد كريم بنونة كل ليلة رؤيته في المنام ولا تزال تكتب له خواطرها في رسائل لا يقرأها أحد سواها. تسمع صوت طلوع قدميه كل يوم بعد صلاة الفجر ثم تكاد

تسمع الباب يُفتح لترى قرة عينها الابن البار يطمئن على والدته كما يفعل كل يوم قبل طلوعه الى منزله. كريم لم يعد موجودا ليُقبل يد والدته في عيد الأم، وفي هذه الأيام وبفوز

دكتورة شويكار والدة كريم بجائزة الأم المثالية للعام الثاني على التوالي من نقابة صيادلة مصر تقول بصوت مرتعش وعينين يملأهما الدمع: "السنة دي كانت نفس الحفلة ونفس

القاعة، السنة الى فاتت أخذ بايدي وطلعني استلم الجائزة، لكن السنة دي ماكانش معايا"

بعد تحمل صامت لنزيف داخلي لمدة أربعة أيام منذ 28 يناير يوم جمعة الغضب برصاصة مطاطية في صدره كما تشير والدته، وافت كريم المنية بسلام بين أفراد عائلته مساء 1

فبراير، وهو على أتم يقين أن انتصارا مجيدا في وطنه قد تحقق بالفعل، ومؤكدا لوالده أن ذهابه الى التحرير كان بمثابة اتمام الحج الذي كان يحلم به. وكان آخر شيء فعله كريم في

منزله هو قراءة القرآن الكريم وترتيل الآيات التي تذكر ثواب الشهداء، وكأنه يعلم مثواه الطيب وما سوف يلاقيه خلال دقائق.

كيف كانت نشأة كريم؟

كريم البالغ من العمر تسعة وعشرين عاما هو الأصغر بين ثلاثة أشقاء هم أحمد وآسر، وأب لطفلين: عمر ثلاث سنوات، ومريم سنة. تروي والدة كريم كيف نشأ وتربى: " كريم أخذ اهتماما كبيرا خلال طفولته ورغم اني اخذت أجازة سنة ونصف لاخواته وهم أطفال، كريم الوحيد اللي قعدت معاه أربع سنين وده خلانا أصحاب وقريبين من بعض. بس ارجع

واقول ان كريم ربنا اللى رباه وكان هذا النوع من الابناء اللي يفرق بشكل حدسي الصح من الخطأ ويعرف واجباته ومسؤولياته تجاه حياته ودينه. كان قليل الكلام ويفعل أكثر مما يتكلم. كريم ابن بار بكل ما تحمل الكلمة من معاني"

درس كريم في كلية الحاسبات والمعلومات رغم عمل والدته وأخويه في مجال الصيدلة، وعمل في بعض الشركات المتخصصة في هذا المجال، ولكن منذ سبعة أشهر فضل العمل الحر، وأنشأ مكتب صغير مع أصدقائه ولكن استمر حلم كريم بمشروع لتصميم برمجيات تمنح طلاب الجامعات في مصر القدرة على استبدال الكتب الدراسية ببرامج الكترونية.

هل كان لكريم ميول سياسية قبل الثورة؟

شأنه شأن كل من اضاء ميدان التحرير بشمس الحرية والايجابية، كريم لم يكن ناشط سياسي ولم يُعرف عنه الانتماء لأي حزب. تؤكد والدة كريم "...كان شخص ايجابي وعلى قدر جيد من الوعي، كان متابع كل حاجة بتحصل في البلد طبعا وكان زيه زي المصريين كلهم مش راضى عن الفسلد والظلم اللى في البلد"

هل كان هناك حدث معين اثار غضب كريم قبل الثورة مباشرة؟

ولكن يبدو أن للصبر حدود وللسكوت سقف بلغ كريم اعلاه، فقد أثارت احداث اغتيال خالد سعيد شعلة غضب كريم حيث تذكر والدته: "منذ وفاة خالد سعيد، يليه انتخابات البرلمان المزورة لصالح الحزب الوطني زاد غضبه بشدة ، ولكني معرفتش نشاطه على موقع كلنا خالد سعيد أو أي ترتيبات للثورة غير بعدها"

كيف استعد كريم للثورة؟

" ليلة 25 يناير، زوجته كلمتني وقالتلي حضرتك عندك فكرة ان كريم نازل المظاهرة بكرة؟ قلت لا. بعدها حاولت أنا ووالده اقناعه بعدم الذهاب لأنه فرد واحد ومش وجوده اللي هيفرق، لكنه كان حازما وقال بالحرف: مقدرش أبص لنفسي في المرايا بعدها, ربنا هينصرنا. ورجع يوم 25 يناير بالليل ورجليه كلها رصاص مطاطي ولكن مع ذلك كان فخور بالثورة وانه كان جزءا من حدث عظيم، وده جعله يصرعلى المشاركة في جمعة الغضب يوم 28 يناير حتى عاد إلى المنزل في شدة الاجهاد والشحوب والاستياء من المذبحة التي شهدها رغم انه كان متأكد ومؤمن ان النصر تحقق وان كان ذلك قبل تنحي مبارك واسقاط الحكومة. ولكن منذ ذلك الحين كان يزداد ضعفا كل يوم، ورفض الحديث أو الشكوى عن أي معاناة نفسية أو صحية يمر بها وقضى اخر أربعة أيام ساهرا في اللجان الشعبية حتى أتى قضاء الله "

كيف يُرد حق كريم؟

بدون تردد وبكل حماس يرد والداي كريم: "الشباب. حق كريم الشباب هيرجعوا. لازم تكملوا خطى كل اللي ضحوا بحياتهم فدا البلد, ازرعوا البذرة الصالحة اللي غرزها الشهداء الأحرار، واياكم والاستسلام للثورة المضادة, انتم الشباب أثبتم أنكم افضل مننا عشان لم تقبلوا الحياة الفاسدة. لكن لا ننسى المطالبة بملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم لقتلهم شباب الثورة السلمية وهم حسني مبارك وجمال مبارك وحبيب العادلي وصفوت الشريف وكل مسؤول فاسد وقاتل. حسبنا الله ونعم الوكيل" ثم تضيف والدة كريم : " لحظة تنحي حسني مبارك أبكتني كأن كريم لسة متوفي، بكيت من الرهبة والاحساس أن حياته ماراحتش هدر"

كيف تريدين تخليد ذكرى كريم؟

"سمعنا اقتراحات كتير. فكرة تسمية شارع بيته هنا قي المقطم باسمه ودي حاجة هتفرحنا طبعا. بس في فكرة بناء متحف لشهداء التحرير وأحب جدا أطفاله في يوم يشوفوا أبوهم مخلدة ذكراه في متحف جميل"

ما هي رسالتك لأمهات الشهداء الأخريات؟

كلمات حكيمة تقولها والدة كريم لأمهات الشهداء في موقف صعب وفي محنة شديدة "احنا في اختبار صعب علينا جميعا تحمله لمكافأة اكبر ان شاء الله ، وأنا في انتظار اليوم اللي كريم هياخذ بإيدي. نحن جميعا بحاجة للصبر، احنا خسرنا اولادنا بدري جدا لكن لازم نكون فخورين ان أولادنا أخذوا ثواب أمة بحالها، أولادنا هما اللي عملوا لنا قيمة، قبلهم كنا زي أي حد لكن فقدهم شهداء كان أثمن ميراث تركوه لنا"

رسالة أم لأبن ماذا تقولين لكريم الان؟

بجسد سارت به الرعشة وعينان انهمرت منهما الدموع تجري كسيل عرم تبدأ والدة كريم في مناجاة فلذة كبدها الفقيد: "وحشتني يا كريم، وحشتني يا حبيبي. كل يوم بستناك في الحلم ومش بتجيلي، تعالالي في الحلم طمًني عليك وقوللي عامل ايه. أنا كل يوم بكتبلك جوابات وبكلمك زي ماكون شايفاك قصاد عيني. افرح يا كريم, اللي انت عايزه حصل و مصر هتبقى أحسن. ربنا يباركلك في أولادك عشان هيعيشوا في بلد أحسن بسببك. عمر ابنك كل ما يشوف صورتك يهتف: بابا كيمو.. بلادي بلادي.. تحيا مصر"

وكأنهم ولدوا لينالوا الشهادة

رحمه الله واسكنه فسيح جناته

» مصطفى الصاوي.. شهيد الثورة الحي!
» ُخلُق كريم
» فلسطين ..يــــــا دمَّ الشهيد / منجي باكير
» الشهيد «علاء عبد الهادي» يحصل على «امتياز» في آخر امتحاناته بـ«طب عين شمس»
» القصه الحقيقيه وراء مقتل شهيد الطوارىء خالد سعيد